كيف يمكن للاستثمارات العقارية رسم ملامح استراتيجيات التنمية الاقتصادية للدول؟ ولماذا توفر الاستثمارات العقارية فوائد اقتصادية أكثر قياساً بغيرها من الاستثمارات؟ وهل يحفز الاستثمار العقاري النمو الاقتصادي أم العكس؟ أسئلة ناقشها سعيد محمد القطامي الرئيس التنفيذي لشركة ديار للتطوير في هذا المقال الذي نشرته صحيفة "الخليج".
وأوضح القطامي في مقاله أن الإجابات على هذه الأسئلة تأتي في محاولة، تعتمد على الجوانب النظرية، لاستكشاف العلاقة بين الاستثمارات العقارية من جهة والنمو الاقتصادي والتنمية من جهة أخرى.
ولطالما اشتهرت علاقة الدعم المتبادلة هذه بأنها الحافز المثالي لتحريك عجلة الاقتصادات، المحلية والوطنية، وتحقيق مستقبل ناجح ومقاوم للتقلبات.
وتشكل دبي، ودولة الإمارات بشكل عام، مثالاً عملياً للإجابة عن هذه الأسئلة النظرية، إذ أظهرت البيانات الأخيرة من دائرة الأراضي والأملاك في دبي، إجراء 3625 معاملة عقارية بقيمة 12.5 مليار درهم إماراتي، خلال الأسبوع المنتهي يوم 16 يونيو/ حزيران 2023. وتشمل المعاملات بيع 189 قطعة ارض بقيمة 2.28 مليار درهم إماراتي، إضافة إلى 2753 شقة وفيلا بقيمة 7.01 مليار درهم إماراتي.
وتشير هذه الأرقام إلى نمو الثقة العالمية بسوق العقارات سريع النمو في الإمارة، ويعكس الازدهار القوي لاقتصاد دبي ودولة الإمارات ومستوى تقييمه وتنافسيته على مستوى العالم.
ويعود السبب في ذلك إلى وفرة الفرص التي تتيحها الاستثمارات العقارية لتحفيز النشاط الاقتصادي في مختلف القطاعات الحيوية، والتي تشكل ركيزة التقدم على مستوى الدولة، ومن بينها البناء والتشييد، والتجزئة، والضيافة، والتعليم، والرعاية الصحية، والخدمات اللوجستية.
وأثبتت الاستثمارات العقارية مرات عدة، أنها عنصر أساسي لتعزيز الازدهار والاستقرار الاقتصادي، من خلال تحفيز هذه القطاعات الرئيسية.
كما تسهم في التنفيذ الاستراتيجي للسياسات الحكومية الداعمة للأعمال، وإصلاحات التأشيرة والإقامة، ومشهد البنى التحتية والتكنولوجيا الحديثة وعالية الجودة، فضلاً عن نمط حياة عالمي المستوى ساهم في وضع الإمارات، ودبي على وجه الخصوص، في مركز الاهتمام العالمي للاستثمارات الأجنبية وريادة الأعمال.
وتدفّق إلى دبي أكثر من 263.66 مليار درهم إماراتي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ عام 2015. وفي عام 2022، احتفظت الإمارة، للعام الثاني على التوالي، بالمركز الأول عالمياً لاستقطاب مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة بحسب تقرير «إف دي آي ماركتس» الصادر عن «فايننشال تايمز».
وحقق الاقتصاد غير النفطي في دولة الإمارات نمواً أسرع بشكل منتظم بالمقارنة مع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، خلال السنوات الأخيرة.
كما أطلقت الحكومة في وقت سابق من العام الجاري أجندة دبي الاقتصادية (D33)، حيث تتضمن إطلاق مشاريع مبتكرة لجعل دبي المدينة الأفضل في العالم للعيش والعمل. وتبلغ القيمة الاقتصادية الإجمالية لأهداف أجندة دبي الاقتصادية 32 تريليون درهم بحلول عام 2033، أي بعد مرور 200 عام على تأسيس دبي.
كما تهدف الأجندة إلى زيادة معدل مساهمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في اقتصاد دبي إلى 60 مليار درهم سنوياً، خلال العقد المقبل، لتصل إلى 650 مليار درهم.
لذا، من الطبيعي أن يشهد قطاع العقارات مستويات طلب مرتفعة من المستثمرين، المحليين والعالميين، بالتزامن مع ترسيخ مكانة دبي بوصفها مركزاً عالمياً للأعمال والسياحة.
وشكل تدفّق المستثمرين المتنامي أحد المحفزات الرئيسية لنمو الاستثمارات العقارية في دبي ، حيث سجلت دبي معاملات سنوية بقيمة 528 مليار درهم العام الماضي. ووصلت قيمة المعاملات العقارية في الإمارة إلى 157 مليار درهم إماراتي خلال الربع الأول من عام 2023، ما يمثل زيادة بنسبة 80% قياساً بالفترة نفسها من العام الماضي.
وشهدت شركة ديار مستويات طلب مرتفعة هذا العام بعد إطلاق العديد من المشاريع السكنية والتجارية المميزة والمستقبلية في مختلف أنحاء دبي، والتي أرست معايير جديدة للفخامة في قطاع العقارات.
ويظهر التأثير الكبير للاستثمار العقاري في نمو الاقتصاد المحلي واضحاً من خلال سوق دبي العقاري، الذي يُعد المحرك الأساسي للتنويع الاقتصادي في الإمارة، والانتقال نحو اقتصاد قائم على المعرفة. ويعتمد هذا التنويع الطموح على الجهود المشتركة بين القطاعين، العام والخاص، وأصحاب المصلحة في المجتمع، ويسهم إلى حد كبير في تحسين البنية التحتية والخدمات في المجتمع. وتتسم الشراكات بين القطاعين، العام والخاص، بأهمية حيوية لتأمين رأس المال والمعرفة في السوق العقاري .
وتتمتع دبي بالمقوّمات اللازمة للتفوق على لندن في الاستثمارات العقارية في عام 2023، بفضل هذا النوع من عمليات التعاون والنظرة المتفائلة القائمة على أساسات قوية، وفقاً لوكالة «Property Realest».
وتوقعت دراسة أجرتها الوكالة بدعم من الذكاء الاصطناعي ارتفاع أسعار العقارات فائقة الفخامة في دبي بنسبة 6.7% لتصل إلى 20.3% بحلول نهاية العام الجاري، في حين سيشهد سوق لندن ارتفاعاً بنسبة 3.5% فقط.
ولا تقتصر العوامل المساهمة في تفوّق دبي على لندن على الميزات التنافسية التي توفرها الإمارة لملّاك العقارات، بما في ذلك الضرائب المنخفضة والعوائد الأعلى، بل تشمل أيضاً ارتفاعاً كبيراً في أسعار العقارات ومعدلات الإشغال. ولا شك في أنه بوجود هذه العوامل سيشكل قطاع العقارات جزءاً أساسياً لتأمين خريطة الطريق للنمو المستقبلي، لا سيما في ضوء توجه دبي ودولة الإمارات نحو مستقبل طموح ومميز.