أكد شون ماكولي، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات العقارية ديفمارك أن مفهوم ترميم وإعادة استخدام المباني الحالية من أجل استخدامها لأغراض أخرى اكتسب اهتماماً كبيراً في مختلف أنحاء العالم خلال السنوات الماضية، وحان وقت تنفيذ هذا المفهوم في الشرق الأوسط.
وأضاف :"نشهد اليوم مع مدينة إكسبو دبي أحد أضخم المشاريع في مجال إعادة ترميم المباني من أجل استخدامها لأغراض أخرى، ومن الشيّق رؤية الإمكانيات التي تتيحها لناحية التنمية المستدامة في المنطقة".
وعلى صعيد البيئة المعمارية، أوضح ماكولي أن مفهوم ترميم وإعادة استخدام المباني من أجل استخدامها لأغراض أخرى يتطلب تحويل المباني أو المواقع غير المستخدمة إلى أماكن عمليّة وشاغرة. يوفّر مفهوم إعادة ترميم الهياكل القديمة من أجل استخدامها لأغراض أخرى فرصةً فريدةً للمطوّرين ليعيدوا التفاعل مع المساحات الحضرية، مع الحفاظ على سماتها المعمارية.
ولفت إلى أن بعض المدن مثل نيويورك ولندن الطريق مهّدت نحو هذا الاتجاه، بحيث خضع عدد من المعالم البارزة لعلميات تحوّل ناجحة. نذكر منها على سبيل المثال مشروع ون وول ستريت في نيويورك، وهو عبارة عن ناطحة سحاب على طراز الآرت ديكو قامت بتحويل المكاتب إلى مساكن. في لندن، تمّ تحويل مشروع نمبر ون جروسفينور سكوير الذي شكّل مقرّ السفارة الأميركية من العام 1938 إلى 1960، إلى مبنى سكني فائق الفخامة. كذلك، تمّ تحويل محطة الطاقة الشهيرة الخارجة عن الخدمة، باترسي باور ستيشن، إلى مشروع متعدد الاستخدامات يشمل مرافق سكنية وتجارية وترفيهية.
تشير التقديرات إلى أنّه بحلول نهاية العقد التالي، سيتمّ إعادة ترميم 90% من المباني المشيّدة حديثاً حول العالم من أجل استخدامها لأغراض الأخرى، ويشهد هذا الاتجاه العالمي ارتفاعاً غير مسبوق.
لكن ما الذي يجعل مفهوم إعادة ترميم المباني من أجل استخدامها لأغراض أخرى اتجاهاً مهماً ومحورياً للتغيير؟
وهنا يجيب ماكولي :"في الأساس، لم تُعتبر مدينة إكسبو دبي المشروع الأول في مجال إعادة ترميم المباني من أجل استخدامها لأغراض أخرى. وقد سبق أن أثبتت الحكومة الإماراتية فوائد إعادة ترميم المباني، عن طريق إنشاء أماكن جديدة تلبّي متطلبات المجتمع المتطورة، مثل حي البستكية والسركال أفنيو في القوز، بحيث يؤكّد هذان المشروعان المرموقان على أنّ هذا الاتجاه قادر على تحويل المناطق المنسيّة إلى أحياء ثقافية مزدهرة. يضمّ حي البستكية حالياً مقاهي وصالات عروض فنية وفنادق بوتيكية، فيما يحافظ على منازله التقليدية التي تحتضن برج الرياح، فيحافظ على قيمته التاريخية مع تعزيز الطابع الثقافي والإحساس بالانتماء إلى المجتمع. كذلك الأمر بالنسبة إلى السركال أفنيو التي شكّلت في السابق منطقة صناعية، بحيث تمّ تحويلها إلى صالات عروض فنية، استوديوهات ومساحات للعروض الفنية، لتوفّر مركزاً لمجتمع الفنون في المدينة".
وأضاف :"اليوم، تحوّلت هذه المشاريع المذهلة إلى أبرز الوجهات الثقافية في المدينة، فأكّدت أنّ تحويل المساحات غير المستخدمة إلى أماكن قابلة للاستخدام يساهم في الحفاظ على القيمة التاريخية للأحياء فيما يعزّز الإحساس بالثقافة والروح المجتمعية بين المقيمين والزوّار على حد سواء. من خلال تحويل المباني والمواقع القديمة إلى أماكن عملية وشاغرة، يمكن توفير وحدات سكنية، مراكز اجتماعية، ومساحات ثقافية بأسعار مقبولة، تعود بالمنفعة على المجتمع مع الحفاظ على البيئة".
على صعيد آخر، يزداد مبدأ الاستدامة أهميّةً يوماً بعد يوم بالنسبة إلى الأشخاص. تشكّل فرصة العيش في مبنى لم يتمّ هدمه وإعادة بناؤه، ما يولّد كمياتٍ كبيرةً من النفايات وانبعاثات الكربون، اعتباراً هامّاً في محادثاتنا مع المشترين المحتملين بحسب ماكولي الذي أضاف :"تركّز الحكومات على أسلوب العيش المراعي للبيئة بين الشركات والمقيمين، لذا يجب على المطوّرين التحلّي بحسّ إبداعي عالٍ عند إنشاء مشاريع جديدة. هذا الأمر بالغ الأهمية إذ أشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أنّ البيئة المعمارية تشكّل نسبة مذهلة تبلغ 39% من إجمالي انبعاثات الكربون السنوي حول العالم. فقد بلغ سوق البناء في الإمارات العربية المتحدة 86.7 مليارات دولار أميركي في العام 2022، الأمر الذي يؤكّد على الحاجة الملحّة لاعتماد حلول مستدامة.
وأشار ماكولي إلى أن مفهوم إعادة ترميم المباني يشكّل نهجاً ممكناً للتخفيف من هذه الآثار وتعزيز الاستدامة عبر تخفيض الطاقة اللازمة لإنشاء مواد البناء ونقلها. تساهم إعادة استخدام الهياكل القائمة بدلاً من إنشاء هياكل جديدة، في الحدّ من انبعاثات الكربون.
وأوضح أن المبادرات التي قام بها مطوّرو مدينة إكسبو دبي تُعتبر مثالاً رائعاً على إمكانية تحويل أي موقع معماري إلى مساحة جديدة ومتطورة جداً، مع تعزيز الاستدامة في الوقت عينه. أعيد ترميم المساحة التي تم تطويرها من أجل معرض إكسبو الدولي 2020 بالكامل، الى الوجهة السكنية الأكثر تميّزاً في المنطقة. حفاظاً على بعض الهياكل الأصلية، مثل القبة الأيقونية وجناح الإمارات العربية المتحدة.
ما يميّز مدينة إكسبو دبي عن غيرها، هو أنّها ليس مجرّد مشروع سكني بحسب ماكولي، إذ تمّ تحويل الموقع بأكمله إلى مدينة مكتفية ذاتياً تتيح للمقيمين الوصول سيراً على الأقدام في أقل من 15 دقيقة إلى كل ما يحتاجونه من خدمات، بحيث تضمّ منتزهاتٍ ومساحاتٍ خضراء خاصةً بها، تمّ تصميمها كلّها لتحقيق المعايير المطلوبة للعيش المستدام، وبالتالي نَيل الشهادة الذهبية للريادة في مجال تصميمات الطاقة والبيئة (ليد). يعطي المشروع الأولوية لمراعاة البيئة من خلال أسطح خضراء وأجهزة ذكية موفِّرة للطاقة، حتى يحظى المقيمون بأسلوب حياة صحّي ومستدام.
وتابع ماكولي :"إلا أنّ مدينة إكسبو دبي ليست سوى البداية، ويمكننا ترقّب زيادةً في مبادرات مفهوم إعادة ترميم المباني من أجل استخدامها لأغراض أخرى، فيما يركّز المزيد من المطوّرين الإقليميّين على الرعاية البيئية. فقد أعلنت الإمارات العربية المتحدة هذا العام "عام الاستدامة" قبَيل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ للعام 2023 (COP28)، الأمر الذي من الممكن أن يشجّع المطوّرين المحلّيين على إعطاء الأولوية للاستدامة في مشاريعهم المقبلة".
يختار عدد متزايد من الأشخاص من مختلف أنحاء العالم الإقامة في الإمارات العربية المتحدة، لذا ستزداد الحاجة إلى الوجهات السكنية والترفيهية. أنا على قناعة تامّة بأنّ ترميم وإعادة استخدام المباني الحالية تشكّل خياراً أكثر فعاليةً واستدامةً مقارنةً ببدء مشاريع جديدة. تعطي هذه المشاريع حياةً جديدةً للهياكل القديمة وتسمح للمطوّرين بإنشاء مشاريع فريدة وحائزة على عدة جوائز لتتميّز عن غيرها في السوق التنافسية.