Skip to main content
Photo by Jakub Zerdzicki: https://www.pexels.com
Photo by Jakub Zerdzicki: https://www.pexels.com

عادة ما يتم استغلال أي ثغرات قانونية في القطاع العقاري لممارسة الاحتيال وتحقيق مكاسب غير مشروعة، وفي تحقيق مطول نشرته صحيفة الخليج، تم استعراض عدة أمثلة على استغلال العقارات بطرق غير قانونية، مما يسلط الضوء على أهمية تعزيز الأنظمة الرقابية والتشريعات العقارية لمكافحة الاحتيال العقاري في دبي والإمارات.

في إحدى القضايا، وقّع مالك فندق ضحية سلسلة من عمليات التحايل، بدأت عندما أجرى عقد إيجار مع مستأجر قدم شيكات مرتجعة طوال عام كامل، وعلى الرغم من محاولات المالك لاسترداد مستحقاته وإخلاء الفندق، استغل المستأجر الثغرات القانونية لتأجيل تنفيذ الأحكام، وأعاد تأجير الفندق من الباطن دون موافقة المالك. في محاولة لحل النزاع، قبل المالك شيكات جديدة من المستأجر الثاني، لكنها أيضاً ارتدت من البنك، مما أدى إلى تعقيد الأزمة، استمر المستأجران في التحايل باستخدام واجهات وهمية، حيث سجلا الفندق باسم شخص ثالث، ليكون المسؤول أمام القانون، ثم غادر هذا الشخص الدولة، مما حرم المالك من أي قدرة على استعادة عقاره أو تحصيل مستحقاته على مدار عامين.

 

تزوير توقيع 
في واقعة أخرى، ادّعى شخص أنه يدير مكتباً لإدارة العقارات، واستغل هذا الغطاء، لتزوير توقيع مالك عقار وتأجير شقة لأكثر من مستأجر في نفس الوقت. هذا الاحتيال أدى إلى نزاعات قانونية بين المستأجرين، وألحق أضراراً جسيمة بمالك الشقة، الذي تكبد خسائر مادية ومعنوية، إضافة إلى إهدار وقته في محاولة إثبات التزوير واسترداد حقه.

في حادثة مشابهة، قام محتال بعرض شقق للإيجار دون أي صلاحية قانونية، حيث تسلم أموالاً من مستأجرين راغبين في السكن، وسلمهم عقوداً مزورة. اكتشف المالك الحقيقي هذا الاحتيال لاحقاً، واضطر إلى اللجوء إلى الجهات المختصة لإثبات تزوير توقيعه. أما المستأجرون، فقد وجدوا أنفسهم ضحية عملية احتيال، بعد أن دفعوا مبالغ مالية دون أن يحصلوا على شقق صالحة للسكن.

تبرز هذه القضايا أهمية توعية الأطراف كافة سواء الملاك أو المستأجرون بأهمية التدقيق في العقود والتعامل مع وسطاء معتمدين فقط. كما تدعو إلى ضرورة تشديد القوانين المتعلقة بالإيجارات، وتسريع إجراءات التقاضي، والإخلاء مع التنسيق مع الجهة التنفيذية، مع فرض عقوبات صارمة على مرتكبي عمليات التزوير والاحتيال.


مخالفات عديدة 
تحدث «م. أ»، وكيل أحد المستثمرين الخليجيين، عن الأضرار التي تعرض لها المستثمر، نتيجة سوء تصرف المستأجر في أحد المباني التجارية المستأجرة. وأوضح أن المستأجر ارتكب مخالفات عديدة، منها إزالة الديكورات الداخلية، وفتح محال جديدة، وتوسيع متاجر قائمة دون إذن المالك أو تفويض رسمي. كما رفض المستأجر تسليم المبنى رغم ارتداد شيكاته، واستغل طول فترة التقاضي، وتقارير الخبراء، وإجراءات الاستئناف لاستمرار استغلال العقار. بل وصل الأمر إلى تأجير المبنى من الباطن دون وجه حق، مما أدى إلى خسائر مادية كبيرة للمستثمر.

فيما سرد «أ. ن» مدير عقارات آخر، حالة استغلال قام بها أحد المستأجرين، حيث رفض توقيع عقد الإيجار الخاص بفيلا ولم يتجاوب مع الاتصالات، خلال الفترة القانونية المقررة، حيث استغل المستأجر ثغرة التنسيق بين لجنة فض المنازعات الإيجارية والمختصين بتنفيذ الأحكام ليبقى في الفيلا، لمدة ستة أشهر دون سند قانوني. ورغم صدور الحكم بالإخلاء ودفع المستحقات، غادر المستأجر الدولة قبل تنفيذ الحكم، مما ألحق خسائر مالية بمالك الفيلا.

قال «ح. م»، إنه تكبد خسائر ناتجة عن تقاعس موظف التأجير المسؤول لديه، الذي خدعه مستأجر بالمماطلة، ولم يتمكن من إرسال طلب زيادة القيمة الإيجارية في الوقت المحدد، قبل انتهاء مهلة الإنذار القانونية ب90 يوماً. الأمر الذي أدى إلى تجديد العقد تلقائياً بقيمة أقل من القيمة السوقية للعقار، ما كبّد المالك خسائر مالية كبيرة على مدار عام كامل، بسبب الفارق في القيمة الإيجارية التي وضعتها الجهة المختصة.

تنفيذ الأحكام
عبر «ص. ب» عن استيائه من ثغرة التنسيق بين لجنة فض المنازعات الإيجارية والمختصين بتنفيذ الأحكام، مؤكداً أن هذه الثغرة تمنح المستأجرين فرصة لاستغلال الفترة الزمنية الممتدة بين صدور الأحكام وتنفيذها للتهرب من التزاماتهم الإيجارية، وأشار إلى أن تقليل هذه الفترة الزمنية، يمكن أن يسهم في تقليل خسائر الملاك، وحماية حقوقهم بشكل أكثر فاعلية.

استغلال ثغرات 
أكدت المحامية إيمان أسد، رئيسة القسم العقاري في مكتب د. حبيب الملا، أن بعض ضعاف النفوس من المحتالين، يستغلون ثغرات قانونية وتنظيمية في السوق العقاري لتنفيذ جرائمها، أبرزها عدم تسجيل العقود في الأنظمة الرسمية، ما يتيح إعادة تأجير العقارات دون إذن المالك.

وأشارت إلى أن ضعف وعي المستأجرين بالقوانين، يؤدي إلى استغلالهم من خلال العقود الغامضة أو الصورية والتعامل النقدي المباشر، مما يسهل عمليات الاحتيال، ولفتت إلى أن عدم تعامل المستأجرين مع وسطاء مرخصين، يفتح المجال للاحتيال والتلاعب، مشيرة إلى أن متابعة الملاك لعقاراتهم بشكل دوري من أهم التدابير الوقائية التي تقلل من فرص الاستغلال.

غرامات رادعة 
دعت المحامية إيمان أسد إلى أهمية تطوير أنظمة حماية العقود، من خلال اعتماد منصات أكثر تطوراً لضمان التوثيق الكامل للتعاملات العقارية، مع تطبيق غرامات رادعة على الوسطاء غير المرخصين.
وأضافت: إن جزءاً من الحل يكمن في إلزامية تسجيل جميع التعاملات العقارية في الأنظمة الرسمية، مع التأكيد على أهمية إتاحة برامج توعوية تستهدف المستأجرين والملاك، ما يقلل من تعرضهم للاستغلال. كما أوصت بتفعيل إجراءات التفتيش الدوري، من قبل الجهات التنظيمية، لضمان التزام الوسطاء بمعايير الترخيص والعمل وفق القوانين.

الإضرار بالمصلحة 
أوضح الدكتور عزت غريب، المستشار القانوني، أن تأثير هذه الممارسات يتعدى الأفراد ليصل إلى الإضرار بالمصلحة العامة وزعزعة الثقة في السوق العقاري، لكنه شدد على أن السبب الرئيسي ليس ضعف التشريعات، بل عدم اتباع المتعاملين للتنظيمات والقوانين الواضحة.

وأشار إلى أن هناك أنظمة إيجارية وضعت خصيصاً لحماية حقوق الملاك والمستأجرين، مثل نظام «إيجاري» في إمارة دبي، الذي يوثق العقود، ويضمن حماية الأطراف، من خلال استخدام وسائل آمنة لتسجيل البيانات.

أضاف غريب أن المشرع الإماراتي وفر آليات قانونية فعالة وسريعة لحل النزاعات والإخلاء، في حالة الاعتداء على العقار دون وجه حق، مع وضع عقوبات صارمة على التزوير أو تأجير ممتلكات الغير.

وأكد أن تعزيز الوسائل البديلة لحل النزاعات، مثل التحكيم والوساطة العقارية، يسهم في تقليل الضغط على المحاكم، وضمان سرعة الفصل في القضايا. كما دعا إلى ضرورة تطوير تطبيقات ذكية تمكن الملاك من مراقبة عقاراتهم عن بعد، مما يسهم في تقليل فرص استغلال العقارات أو تأجيرها دون علم المالك، مع تقديم شكاوى مباشرة إلى الجهات المختصة عند رصد أي تجاوزات.

الابتكار التشريعي 
ركز أحمد الخطيب، الباحث القانوني، على دور الابتكار التشريعي في التصدي لهذه الظاهرة، مشيراً إلى ضرورة تطوير أنظمة الإيجار، عبر إلزامية استخدام وسائل دفع موثوقة كتلك المطبقة في نظام حماية الرواتب. كما اقترح تسريع إجراءات الإخلاء في حالات التأجير غير القانوني وتحديث القوانين لتغطية هذه الحالات بشكل أكثر وضوحاً. وأكد أهمية دور مكاتب العقارات المرخصة في توعية المتعاملين بحقوقهم والتزاماتهم القانونية، وضمان الشفافية في الإعلانات العقارية. وأضاف أن تعزيز التعاون بين الجهات التشريعية والتنفيذية، إلى جانب نشر الوعي المجتمعي حول مخاطر التعامل مع وسطاء غير مرخصين، يسهم في تقليل هذه العمليات وحماية الأطراف المتعاملة.

وأشار إلى أن هناك حاجة لتطبيق نظام إلكتروني موحد على مستوى الإمارات، يتيح للملاك والمستأجرين تتبع حالة العقار وإجراءات التوثيق بوضوح، مما يعزز الثقة بين الأطراف.

كما دعا إلى مراجعة دور مكاتب الوساطة العقارية وإلزامها تقديم تقارير دورية حول أنشطتها، لضمان الالتزام بالقوانين، مع إدخال معايير جديدة لتحديد مدى كفاءتها واستعدادها لحماية العملاء.

دعائم الاقتصاد 
قال المحامي علي مصبح إن السوق العقاري يمثل إحدى أهم الدعائم الاقتصادية في دولة الإمارات، ويعد شراء العقارات واستثمارها أو تأجيرها من أبرز الأنشطة التي تجذب المستثمرين.

وأوضح أن ثقة المستثمرين في القطاع العقاري، تُبنى على مصداقية وشفافية العمليات، ما يعني أن أي حالة احتيال قد تضعف الثقة وتؤثر سلباً في الاستثمار في هذا المجال، لا سيما أن الغالبية يدفعون مبالغ كبيرة لشراء العقارات واستثمارها، مؤكداً أن أي خلل في المنظومة العقارية، قد يؤدي إلى اهتزاز الثقة، ما ينعكس سلباً على السوق بأكمله.

أشار مصبح إلى أن جرائم الاحتيال العقاري، بما في ذلك التزوير وإعادة التأجير غير القانوني، تظهر أهمية وضع ضوابط صارمة تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. وأوضح أن تحقيق التوازن في هذه العلاقة، يعتمد على معرفة الطرفين بحقوقهما وواجباتهما، إذ إن أي خلل يمكن أن يؤدي إلى جرائم تزعزع الثقة وتضر بالمصلحة العامة.

وأضاف أن على الملاك العقاريين الحرص على التعامل مع أشخاص موثوقين، وألا ينخدعوا بالأرقام المرتفعة، التي تعرض عليهم كإيجار، إذ قد يكون الهدف من تلك العروض استغلال العقار لأغراض غير مشروعة. وأكد أن الإغراءات المالية قد تدخل المالك في مشكلات قانونية أو عقبات يصعب تجاوزها دون جهد كبير.

تعزيز الوعي
وأكد المحامي علي مصبح أهمية التوعية الإعلامية ودورها في التصدي لهذه الجرائم، مشيراً إلى أن الجهات المختصة بالشؤون العقارية والإعلام، يجب أن تعمل بشكل متكامل لتوعية الأفراد بحقوقهم وحمايتهم من الوقوع في فخ الاحتيال. ولفت إلى أن نشر التحذيرات اليومية عبر وسائل الإعلام يعزز الوعي المجتمعي ويوجه الأفراد لاتخاذ الاحتياطات اللازمة.

ونبه إلى مخاطر الثقة المطلقة في العقود الإلكترونية، نظراً لاحتمالية التزوير والاحتيال من خلالها. وأوصى بضرورة التعامل مع أشخاص موثوقين ومراجعة العقود بدقة قبل توقيعها، مع استشارة خبراء قانونيين لضمان صحة الإجراءات. وأكد أن هذه التدابير البسيطة قد تقي المستثمرين من الوقوع في فخ الاحتيال وتحمي حقوقهم بشكل كامل.

منظومة قانونية
أكد المحامي بدر عبدالله خميس أن دولة الإمارات وضعت منظومة قانونية صارمة، تهدف إلى حماية المستثمرين، وتعزز الثقة في السوق العقاري، مشيراً إلى أن القوانين الإماراتية تضرب بيدٍ من حديد على مرتكبي جرائم التزوير والاحتيال. وأوضح أن هذه التشريعات لا تقتصر على الردع فقط، بل تسعى إلى تحقيق الأمان القانوني، الذي يضمن للمستثمرين البيئة الآمنة والمستقرة للاستثمار.

وأشار خميس إلى أن المادة (451) من قانون الجرائم والعقوبات، المعدل بالمرسوم بقانون رقم (36) لسنة 2022، تعد إحدى أبرز الأدوات القانونية في هذا السياق. وتنص هذه المادة على معاقبة كل من استولى بطرق احتيالية على أموال منقولة أو عقارات أو منافع، أو زوّر مستندات بهدف الخداع. وتتضمن العقوبات السجن أو الغرامة لكل من يتصرف في عقار أو منقول دون حق قانوني، أو يعلم بعدم أحقيته في التصرف فيه.

مواد دقيقة
أوضح خميس أن جرائم التزوير تشمل عقود الإيجار وملكية العقارات، الذي تم تنظيمها بمواد دقيقة في القانون ذاته، مثل المواد (251-252-253-258)، التي تعاقب على تغيير الحقيقة في المحررات الرسمية وغير الرسمية، ويعاقب على تزوير المحررات الرسمية بالسجن المؤقت لمدة تصل إلى 10 سنوات، بينما يعاقب على تزوير المحررات غير الرسمية بالحبس. كما يعاقب القانون على استخدام المحررات المزورة مع العلم بتزويرها.

تزوير عقود 
أضاف خميس أن جرائم الاحتيال العقاري، غالباً ما تستهدف تزوير العقود مثل عقود الإيجار الإلكترونية (إيجاري)، لتحقيق أغراض إجرامية. لكن القوانين الإماراتية جاءت لتحاصر هذه الممارسات وتضمن حقوق الجميع، سواء من مواطنين أو مقيمين، في إطار نظام قانوني عادل يحقق الأمن والاستقرار.